عدنان بن عبد الله القطان

10 رجب 1443 هـ – 11 فبراير 2022 م

————————————————————————–

الحمد لله الذي تفرّد بكلّ كمال، واختصّ بأبهى جمال وأعلى جلال، وتفضّل على عباده بجزيل النوال، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، المنزه عن الأشباه والأنداد والأمثال، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، كريم السجايا وشريف الخصال، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأزواجه وأصحابه خير صحب وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم البعث والمآل.

أما بعد: فأُوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)

معاشر المسلمين: قصص الحب المشروع في تاريخنا الإسلامي كثيرة، وهذه قصة حب صادق ومخلص ولد في بيت النبوة، وبطل هذه القصة زوجان كريمان، أما الزوجة فزينب بنت محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وزوجها هو أبو العاص بن الربيع ابن خالتها هالة بنت خويلد أخت خديجة رضي الله عنهما وأرضاهما، وهو رجل من أشراف قريش، عريق الأصل، كريم الخصال، وكان النبي يحبه كثيراً، ذهب أبو العاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وقال له: أريد أن أتزوج زينب ابنتك الكبرى. فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: لا أفعل حتى أستأذنها، ويدخل النبي على زينب ويقول لها: ابن خالتك جاءني وقد ذكر اسمك، فهل ترضينه زوجاً لك؟ فاحمرّ وجهها وابتسمت، فدل على رضاها فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، وتزوجت زينب أبا العاص بن الربيع، وأنجبت منه (علياً) و(أمامه) ولما بعث رسول الله  صلى الله عليه وسلم وأوحي إليه، سارع أهل بيته للإيمان برسالته،  فكانت خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها وبناتها من السابقات إلى الإسلام،  فأسلمت زينب وكان زوجها أبو العاص مسافراً، فلما عاد بلغه نبأ إسلامها،  فأخبرته أنها أسلمت وأمها وأخواتها وعلي بن أبي  طالب، وقالت له: وأسلم ابن عمك  عثمان بن عفان، وابن خالك الزبير بن العوام، وأسلم صديقك أبو بكر الصديق رضي الله عنهم،  ودَعته للإسلام  فاعتذر إليها وقال:  إن أباك ليس بمتهم عندي  وليس أحبُّ إليَّ من متابعته ولكني أكره أن يقال: إني خذلت  قومي  إرضاء لامرأتي، وبقي أبو العاص على كفره، ولم يكن آنذاك قد نزل الأمر الإلهي بالتفريق بين الزوجين، إن كان  أحدهما مشركاً،  فبقيت  زينب تحت عصمة أبي العاص وموضع عنايته وتقديره.. وجاءت السنة الثالثة عشر للبعثة وهاجر المسلمون وهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، ولما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد قباء، بعث بمن يحضر أهل بيته من مكة، فقدموا ببعضهم، وأما زينب  بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يمكِّنُها زوجها أبو العاص بن الربيع من الخروج، فبقيت زينب وحيدة في المجتمع المشرك مع زوجها المشرك تتودد إليه وتقوم بحقه وتدعوه للإسلام وترجو إسلامه، حتى كانت السنة الثانية للهجرة حيث وقعت غزوة بدر الكبرى، وخرج المشركون لملاقاة المسلمين، وخرج أبو العاص مع المشركين فاشتدت محنة زينب رضي الله عنها وعظم بلاؤها فزوجها يقاتل مع المشركين أباها، وكتب الله النصر المبين للمسلمين، وأُسِرَ أبو العاص  فيمن أُسر من المشركين، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أبي بكر  في فداء الأسرى وأرسل لأهل مكة كي يفدوا  أسراهم،  فأرسلت زينب  وفاء لحق الزوجية، أرسلت لفداء زوجها قلادة لها (عقد) كانت أمها خديجة  رضي الله عنها  قلدتها إياها يوم تزوجت من أبي العاص فينظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القلادة فيعرفها ويرقُّ قلبه ويتذكر أم المؤمنين خديجة، يتذكر  يوم زواج ابنته من أبي العاص بن الربيع ويتذكر حبهما وإخلاص كل منهما للآخر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يثني على صهره أبي العاص خيراً، ولاينسى موقفه من ابنته، حيث إن قريشاً لما بُعثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم  حرضت أبا العاص على تطليق زوجته زينب لإغاظة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرضت على أبي العاص أن يتزوج  بمن شاء من بنات أشراف مكة فأبى،  وقال : إني لا أفارق زوجتي، وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش.. هذه عباد الله بعض شيم هذا الصهر المخلص الوفيّ. واليوم يقف أمام المسلمين أسيراً فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين: إن رأيتم  أن تطلقوا لها  أسيرها وتردُّوا عليها قلادتها فافعلوا، ويستجيب  الصحابة  رضوان الله عليهم،  فقد كانوا  طلاب آخرة لا طلاب دنيا،  فيطلقون أسيرهم ويردون القلادة إليه، ويقول أبو العاص يحكي قصة أسره: (كنت أسيراً بيد رهط من الأنصار وقد أمر رسول الله المسلمين فقال استوصوا بالأسرى خيراً، قال أبو العاص: كنا إذا  تغدينا أو تعشينا آثرونا بالخبز وأكلوا التمر- والخبز معهم قليل والتمر زادهم-  حتى إن الرجل  لتقع في يده  الكسرة فيدفعها إليّنا) وكان الوليد بن الوليد ابن المغيرة من بين الأسرى  يقول مثل ما يقوله أبو العاص  بن الربيع ويزيد بقوله: كانوا (أي الأنصار) يحملوننا – أي على الخيل- ويمشون، فهل سمعتم أسرى في الدنيا يعاملون مثل هذه المعاملة،  ويأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسرى أن يعلِّم كل أسير لا يجد مايفدي به نفسه أن يعلم عشرة أطفال القراءة والكتابة ومن ثم يتحرر من الأسر.

ويمضي أبو العاص طليقاً حراً إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم يخبره قبل ذهابه إلى مكة بأمر الله تعالى  إذ قضى الله تعالى بحرمة بقاء المسلمة تحت المشرك، وقرأ عليه قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ،  اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ  فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ  لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ  وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا  وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ  وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا  ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ  يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ  وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)

وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على صهره الأمين بوعده، وما إن وصل مكة حتى أخبر زوجه زينب بضرورة اللحاق بأبيها فعرضت عليه الإسلام، لكن نور الهداية لم يشرق بعد في قلبه، ورغم حبها الشديد لزوجها لكن حبها لله ولرسوله أكبر وافترق الزوجان الحبيبان. فرّق بينهما إصرار الزوج على البقاء على الشرك ويتولى  كنانة ابن الربيع شقيق أبي العاص يتولى مهمة إيصال زينب رضي الله عنها إلى المدينة، ويخرج كنانة في وضح النهار على مرأى من قريش فيركب فرسه ويأخذ قوسه وكنانته، وقد حمل زينب  رضي الله عنها على هودج وكانت حاملاً، ويصل الهودج إلى مكان عند ذي طوى  فيلاحقه رجال من قريش موتورين غاضبين فقد كانت قريش تتجرع مرارة الهزيمة في بدر ومازالت تبكي قتلاها وقد أثار خروج زينب  حفيظتهم  وسخطهم ويسارع هبار بن الأسود الشقي  إلى هودج زينب وينخس بغلظة الناقة برمحه وتسقط زينب رضي الله عنها على صخرة وتطرح حملها ويحيط الرجال الأشقياء بها على حين يستبسل كنانة  في الدفاع عنها ويستل السهام من كنانته وكان رامياً، ويقسم أن يضع في كل رجل من هؤلاء سهماً فيتراجع الناس عنه، ويأتي أبو سفيان  (يوم أن كان على الشرك) ليهدئ من الموقف ويقول لكنانة: كفَّ عنا نبْلَكَ حتى نكلمك، فكف كنانة، فقال ابو سفيان: إنك لم تصب، خرجت بالمرأة على رؤوس الناس علانية وقد عرفت مصيبتنا  ونكبتنا وما دخل علينا من محمد، ارجع بالمرأة حتى إذا هدأت الأصوات وتحدث الناس أن قد رددناها فسُلَّها سراً وألحقها بأبيها فلعمري مالنا  بحبسها عن أبيها من حاجة… ويرجع كنانة عملاً بنصيحة أبي سفيان بزينب حتى إذا هدأت الأصوات خرج بها ليلاً فأسلمها إلى زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار،  كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعثهما للإتيان بها. تصل زينب رضي الله عنها إلى أبيها وأخواتها ويلتئم شمل الأسرة النبوية بعد طول افتراق، وتنعم زينب رضي الله عنها بنعمة السكينة في المجتمع المسلم بعيداً عن أذى المشركين، وتبقى زينب رضي الله عنها- الوفية لزوجها – تبقى وحيدة في المدينة مدة ست سنوات تنتظر إسلام زوجها ليعود إليها، وفي السنة السادسة للهجرة، خرج أبو العاص في تجارة لقريش إلى الشام، ولما قفل راجعاً مع العير والأرباح والرجال تعرضت له سرية من سرايا المسلمين فأخذت العير وأسرت الرجال واستطاع أبو العاص الهرب والفرار لكنه تسلل بليل إلى المدينة ولجأ إلى زينب  فأجارته، -أي جعلته في ذمتها وحفظها- والعرب تعرف الجوار-  وفي الصباح بعد صلاة الفجر يرتفع صوت زينب في المسجد من مصلى النساء  لتعلن: أيها الناس إني قد أجرتُ أبا العاص بن الربيع ..فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل سمعتم ما سمعت؟ أما والذي نفس محمد بيده ماعلمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم إنه يجير على المسلمين أدناهم، ثم دخل صلى الله عليه وسلم على زينب رضي الله عنها فقالت له: يا أبتاه، إن أبا العاص بن الربيع  إن قرُبَ فابن عم، وإن بَعُد فأبو ولد وإني قد أجرته، فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم جوارها وقال لها أكرمي مثواه ولا يخلصنَّ إليك، فإنك لاتحلِّين له. وأرسل إلى السرية الذين أصابوا المال فقال لهم: (إن هذا الرجل منَّا حيث قد علمتم وقد أصبتم له مالاً، إن تحسنوا وتردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم فأنتم أحق به) فقال الصحابة يحدوهم حب النبي والرغبة في رضاه: بل نرده عليه يا رسول الله.. فردوا المال كله، وعاد أبو العاص بكل التجارة والأرباح إلى قريش ورد الأمانات إلى أهلها ثم قال: يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا، فقد وجدناك وفياً كريماً فقال أبو العاص: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوُّفاً أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت لله تعالى.. ويلتحق أبو العاص برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه، ويرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه زوجه، ولم تمض إلا سنة واحدة حتى تموت زينب رضوان الله عليها، وكان ذلك في السنة الثامنة للهجرة، وبكاها أبو العاص بكاء شديداً حتى رأى الناس رسول الله يمسح عليه ويهون عليه، فيقول له: والله يا رسول الله ما عدت أطيق الدنيا بغير زينب. ولم يتحمل أبو العاص فراق زوجته فمات بعد سنة من موتها رضي الله عنهما وأرضاهما.

ما أروعها من قصة حب! يخشع لها القلب وتدمع لها العين! تقديراً واحتراماً لهذا اﻷب الكريم والزوج الوفي والزوجة الصالحة.

فرضي الله عن آل محمد وصحابته أجمعين. ونسأل الله عز وجل أن يحشرنا في زمرتهم وتحت لواء نبيهم -عليه الصلاة والسلام-.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جعل الحب فيه مفتاح خير وإسعاد وتاج زينة للأرواح والأجساد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شركاء له ولا أكفاء ولا أنداد، ونشهد أن محمداً عبد الله ورسوله جاء برسالة المحبة والصدق والصفاء والوفاء، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والسائرين على نهجه إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الأخوة والأخوات في الله: أتقوا الله تعالى واعلموا أنه ليس للحُب في الإسلام يومٌ أو عيدٌ يحتفل به أو فيه؛ لأن الإسلام في فحواه ما هو إلا رسالة حُب أرسلها الله تعالى وأنزلها لعباده يحيون ويتراحمون بها. فالحب في الإسلام بمثابة رُوح يعيش بها الإنسان في كل وقت وحين تجعله أكثر رحمة ومحبة وعفواً وتسامحاً وشفقة ومسؤولية ورعاية للأهل، والضعفاء، والفقراء، والمساكين.

 والحب في الإسلام لا خجل ولا تواري منه فالحب يحمله الأب والأم والابن والابنة والجد والجدة والزوج والزوجة والأقارب، والأرحام، والأصدقاء. والحب في الإسلام يتكلم عنه القرآن الكريم وسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم، دون خجلٍ أو ارتياب، في أبهى الصور وأكملها وأعظمها مادام أنه في إطار الحلال المشروع، وإننا في الإسلام نتعلم الحب من محبة الله عز وجل لعباده ومخلوقاته في أرضه وسمائه. فإذا بالكون كله من حولنا يسبح بحمد الله تعالى، وفي نعمه وآلائه يتقلب؛ وذلك من عموم محبة الله تعالى لخلقه.

وإذا نظرنا إلى التشريع الإسلامي في جميع جوانبه نجده يصنع المحبة ويحث عليها، ويوجدها ويحافظ عليها، داخل الأسرة وفي المجتمع، وفي الحياة بأسرها.

وإننا نتعلم في الإسلام الحب أيضاً: من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان بالمؤمنين رؤوفًاً رحيماً. نتعلم منه الحب أباً وزوجاً ومعلماً وداعيةً وقائداً وجاراً ومحباً لأهله وأقاربه، وأصحابه، وأصدقائه، وإخوانه.

ومن مبادئ الحب في حياته صلى الله عليه وسلم: العفو: قال لأهل مكة الذين آذوه وقتلوا أصحابه وأخرجوه من وطنه، وفعلوا به ما فعلوا: ما ترون أني صانع بكم؟ قالوا: خيراً، أخٌ كريم، وابن أخٍ كريم قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء. وقال لهم: فإني أقول لكم كما قال أخي يوسف: (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ومن مبادئ الحب في حياته صلى الله عليه وسلم: رعاية الضعفاء: قال صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئاً. وقال صلى الله عليه وسلم: الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله وكالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر.

والإسلام يوجب علينا أن نتعامل بالحب، فإذا بالكلمة الطيبة فيه مغلفة بالحب، وإذا بالعمل الصالح محشوًّاً حبًّاً ورفقاً ونصحاً.

ففي الإسلام نعيش الحب في كل قولٍ أو عملٍ أو حالٍ، في كل وقت وحين، عبادةً وعملاً صالحاً وطاعةً لله تعالى… فما قيمة أن تظل طوال العام عاقًّاً لأمك ثم تكرمها وتبرها يوماً واحداً في العام، فأي عيدٍ كاذبٍ هذا؟ ما قيمة أن تحتفل بالحب يوماً في العام، وطوال الشهور والأيام يسيء الزوج عشرة الزوجة، أو الزوجة تسيء عشرة زوجها! ما قيمة أن نحتفل بالحب وهو كلام كاذب أجوف، ما قيل إلا تبريراً لفعل ما يغضب الله عز وجل؟!

ما قيمة أن تحتفل بالحب يوماً وأنت طوال العام تظلم أو تسرق أو ترتشي أو تكذب أو تسيء معاملة الآخرين؟ وهذا ليس معناه أن الإسلام ينكر الحب أو يعاديه، حاشا وكلا، إن العالم الغربي يحتفل في يومٍ من أيام العام ويعتبره عيداً للحب. والإسلام يحتفل بالحب في كل كلمة وعمل ونظرة وابتسامة وصلة في كل لحظة في حياة الإنسان فالبون شاسع، والمقارنة لا وجه لها وتقليد الغير فسادٌ وإفساد.

فتمسكوا رحمكم الله بدينكم واعتزوا به وتميزوا بهويتكم، ولا تتشبهوا بغيركم، (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)

اللهم احفظنا وشبابنا وبناتنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن. وارزقنا جميعاً العفة والطهر، واغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.

اللهم ارزقنا صدق محبتك، وارزقنا محبة العمل الذي يقربنا من حبك.

اللهم إنا نسألك حبك؛ وحب من يحبك؛ وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك.

اللهم ألف بين قلوب المسلمين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام وجنبهم الفواحش والآثام. ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً. اللَّهُمَ حَبَّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين … اللهم من أراد بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وقيادتنا وجيشنا ورجال أمننا، من أرادهم بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء..

اللهمَّ ارفع البلاء والوباء وسيء الأسقام والأمراض عنا وعن الناس أجمعين.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً ومعيناً.

اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله وأطلق قيده، وفك أسره، وأحي في قلوب المسلمين والمؤمنين حبه ونصرته واجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين

 اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا، واشف مرضانا واشف مرضانا وارحم موتانا وعلمائنا وارحم والدينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ. (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

          خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عب الله القطان – مملكة البحرين